مما لا شك فيه أن للكاتب (نجيب محفوظ ) أثرًا كبيرًا في تطور الرواية العربية في مختلف ألوانها وأشكالها، وليس ذلك فحسب، بل كانت كتاباته تأريخًا لفترات مختلفة في تاريخ مصر السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري، وسِجلًّا لشتّى الحركات السياسية والثورية في القرن الماضي، كما كانت تصويرًا حيًّا أيضًا للحياة المصرية بكل ما فيها من تناقضات ومفارقات، وتصويرًا لما يدور في المجتمع المصري من اضطرابات اجتماعية وثقافية.
يرتبط الأديب دائمًا بالمجتمع الذي يعيش فيه، ولا يستطيع الخروج عن دائرة هذا المجتمع الذي تأثر به، وتبلور فكره من خلاله، فيقوم بأخذ مادته الفنية منه مشيرًا - من خلال هذه المادة الفنية - إلى الأمراض المنتشرة في مجتمعه الذي يحيا بين أحضانه محاولًا الكشف عنها ومهاجمتها، بل ووضع بعض العلاجات الناجحة لها - من وجهة نظره - من خلال هذا اللون الأدبي الذي يقدمه.
ولقد شغل التفاوت الطبقي في العصر الحديث الكثير من الكُتّاب المُحدثين، بداية من الدكتور (محمد حسين هيكل ) في أول رواية عربية ناضجة ظهرت سنة 1914؛ حيث حاول هيكل في روايته (زينب ) تصوير الريف المصري تصويرًا طبيعيًا وواقعيًا بأناسه وطبيعته وتقاليده ومشاكله. وكانت شخصية "حامد " في هذه الرواية تمثِّل قصة شاب ينتمي إلى طبقة الإقطاعيين؛ فيتحرك قلبه نحو "زينب " الجميلة التي تنتمي إلى الطبقة الكادحة.
كما أشار إلى ذلك أيضًا الدكتور (طه حسين ) في روايته (دعاء الكروان )، وكتب عن هذا أيضًا الأستاذ (توفيق الحكيم )، والأستاذ (يحيى حقي ) و (محمود تيمور ) وغيرهم من كُتّاب القصة ممن اهتموا بقضايا الأمّة.
وكان أديب نوبل، نجيب محفوظ، من أكثر الكُتّاب اهتمامًا وتصويرًا لهذا التفاوت وآثاره على المجتمع. وقد بدأ تصوير التفاوت الطبقي بشكل أوضح من خلال أعماله الواقعية، أو بما كان يُسمي بـِِ (المرحلة الاجتماعية ).
تعتبر رواية (رواية القاهرة الجديدة) خير مثال على ذلك؛ حيث نجد (محجوب عبد الدايم ) الشاب الفقير، وهو شاب جامعي، ينظر حوله فيدرك الانهيار والفساد في المجتمع بسبب التفاوت الطبقي بين فئات وطنه؛ فيصاب بالكثير من الأمراض النفسية والخلقية؛ فيفقد توازنه ومبادئه وعقيدته؛ لأنه نشأ في بيئة متهاوية في شتى المجالات.
وتعتمد رواية (القاهرة الجديدة ) على تصوير واقعي للقاهرة الضعيفة، أو لأبناء القاهرة الذين نبتت جذورهم في عصور الضعف والانهيار والاستعمار وهيمنة العلاقات الإقطاعية.
فهذه الرواية عند (نجيب محفوظ ) هي تجسيد لقاهرة الموظفين وطلبة الجامعات والتيارات الفكرية المُقبلة من أوروبا، فهي قاهرة المثقفين أو قاهرة أزمنة المثقفين؛ لذلك كان الضياع الفكري هو السمة البارزة على أرض القاهرة الجديدة.
لقد كان التفاوت الطبقي في نظر (محفوظ ) في هذه الرواية سببًا في مأساة المجتمع المصري الذي أمسى يعج بالفساد والرشوة والتزييف العام لكل شيء، وانتشرت فيه الدعارة والجنس والاستسلام، وسيطر عليه الاستعمار والرجعية والحفلات الخيرية التي يقيمها الأرستقراطيون للعبث والفجور.
تبدأ الرواية من نقطة الارتكاز، حيث الجامعة المصرية وبداية عصر التقدم الحضاري بعد صمت طويل دام قرونًا طويلة أيام العثمانيين ومن سبقهم من المماليك.
ففي فناء الجامعة تبدأ الأحداث في القاهرة الجديدة؛ حيث تتصارع الأفكار الناشئة بين الطلاب بفرض أن الجامعة ستكون حقل التجارب والأفكار النظرية التي سيُبنَي عليها مستقبلًا الكثير من مناحي الحياة المصرية في شتى مجالات الحياة.
ومثّل (محفوظ ) لهذه الأفكار بأربعة من الطلاب، كلٌ منهم يشير إلى اتجاه فكري معين. الطالب الأول طالب متفوق شديد التديُّن لا يفكر في القضية الوطنية، ولكن يفكر في القضية الإسلامية، ويجد في الإسلام حلًّا لجميع المشكلات السياسية والاجتماعية والفكرية التي تعانيها البلاد، وهو ليس بالضبط عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، بل هو بذرة صالحة ليكون من مؤسسي هذه الجماعة في المستقبل. وهي إشارة من (نجيب محفوظ ) إلى وجود جماعة الإخوان على السطح في الجامعة منذ نشأتها.
أما الطالب الثاني فمُثقف ميسور الحال، واسع الأفق، اعتنق الاشتراكية ودفعته ظروفه في النهاية إلى أن يُكرس حياته وكل جهده في سبيل الاشتراكية، فلسفة وسياسة.
والطالب الثالث صحفي يجمع بين الدراسة والعمل بالصحافة، يعرف أخبار المجتمع وخباياه، ولا يُظهِر ميولًا سياسية واضحة، ولعله كفر بالأحزاب والحركات السياسية، لاطِّلاعه على خبايا المجتمع الحاكم.
والأخير والأهم وهو بطل الرواية يمثّل الفردية في أقصى امتداد لخطوطها المنطقية، أي أنه طرح عن نفسه كافة القيم والثوابت الدينية والأخلاقية؛ وآمن فقط بالفرد والذات والنفس التي يحبها أكثر من الدنيا ومن فيها؛ فهو مثال للبطل الساقط.
وهكذا نجد أن الرواية تجمع بين كافة الشخصيات المصرية واتجاهاتها الفكرية الموجودة آنذاك، وصراعها الذي كان يُشكَل طبيعة الصراع المجتمعي في هذا الوقت.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان